أحب أن أشاركم أعزائي ببعض الخواطر التي تبادرت لي هذا المساء وقد تساعدكم في زيادة نموكم الروحي والعقلي,لا أعرف ما هي الروحانية فعلاً ولا أعتقد أنه هناك الكثير من الناس ممن يستطيع وصفها بالكلمات ولكن لدي فكرة عن الأشياء التي لا يمكن وصفها بالروحانية إطلاقاً,أولاً وليس آخراً التعلق بالرموز والطقوس والنقوش وغيرها من المظاهر الدينية والإجتماعية وهناك الكثير ممن يخلط بين الإثنين,الجميع لديه صورة معينة عن الشخص الروحاني,لحية بيضاء وهالة حوله,طريقة معينة في الكلام وحتى زي معين,وبالتأكيد كلها توقعات وترجيحات لا تتصور في يوم من الأيام أن لها علاقة بما تبدو عليه الروحانية فعلاً,هي ببساطة ليست مصممة لتشبع رغباتك وتطلعاتك وتوقعاتك,الروحانية تتعلق أكثر بأن تكون نفسك أكثر من محاولة تقليد شيء ما,وكلما إقتربت من طبيعتك الحقيقية كلما زادت روحانيتك,فالروحانية هي حالة وليست هيئة,قد يعبر البعض عنها بالحب كما كان السيد المسيح,وقد يجدها البعض في الحرب والسيف كما كان كريشنا,فلا ترهق نفسك في البحث والتمثيل ,وإن كنت سريع الملاحظة ستكتشف بسرعة بأننا كائنات بارعة في التمثيل إلى درجة أننا نخدع حتى أنفسنا,لدينا معايير ورغبات معينة نريد تلبيتها,ليس مهماً حقاً ما تعتقده عن الروحانية أو ما تتخيله وتتصوره.... كله في النهاية مجرد وهم,طالما أنه تعبير عن رغبتك وتطلعاتك,وطالما أنك تضعه في عقلك وتتخيل نفسك فيه,طالما أنك تطلبه وتريده وتذكره ....هو سيكون فقط تعبير عن وهم الكينونة المنفصلة عن الكون,مكانة خاصة تريدها لنفسك لتتميز عن غيرك أو لتتملق بها إلهك وتحظى بجائزة معينة... جنة أو ما شابه,كلها مجرد أدوات لإشباع حاجات خاصة في داخلك وهي بالتالي تزيد الأنا لديك وكلما زادت الأنا وأصبحت أقوى وأكبر كلما زادت قناعتك بوجودها وحاجتك إلى التعلق بها كمحور في حياتك,والتعلق بالأشياء أبعد ما يكون عن الروحانية خاصة المادية منها,و رغم أنني أكرر هذا كثيراً... إلا أنه لا أحد يستمع ويقتنع,أنتم بالفعل لا تمتلكون شيئاً, فحتى الذرات التي تكون أجسادكم تفقدون منها الملايين يومياً,وكل ذرة منها هي جزء من نجم أو نبات أو حيوان عاش قبلكم وبعد أن تموتوا ستعود تلك الذرات إلى المحيط الكوني لتعطي فسحة لظهور شيء جديد,أنتم حالياً تكاثف مؤقت للمادة ومن الخطأ أن تتصورا بأنك تملكونها أو تملكون أي شيء آخر,هذا لا يعني أن تكونوا فقراء وتطلبوا الموت وهي نقطة سأتحدث عنها,ولكن لا تتعلقوا كثيراً بالأشياء وكل شيء سيكون على ما يرام.
لا يمكن الحديث عن الروحانية دون ذكر الموت,وبالمناسبة عدم الخوف من الموت أو طلبه ليس له علاقة بالروحانية,هناك من الناس من يتملكه الخوف من الواقع أو المستقبل أو الملل من الوجود بحيث يطلب الموت أحياناً,طبعاً مع تغليفه بنهاية ملحمية,وهناك من يمتلكون قدر هائل من البلادة الحسية,بحيث أنه حتى الموت ليس شيئاً كافياً لجذب إنتباههم,لذا أعتقد بأن الروحانية لا تتعلق بعدم الخوف من الموت أو عدم الخوف من أي شيء آخر ,بل تتعلق بالوعي بالأشياء والموت واحد منها,بل يجب حتى الإحتفال به,عادة الأفراد والأمم التي تفهم الموت وتحتفل به عند قدومه يكونون عناصر دافعة للحياة ,لأن الحياة والموت وجهان لعملة واحد,ولولا أحدهما لما أدركنا الآخر تماماً كما لاندرك النور بدون العتمة,الموت ليس شيء يجب التفكير به أو التحسب له أو القعود وإنتظاره,هو فقط جزء من الطبيعة ويجب عليك تقبله كما هو والإستسلام للحظة ولكل ما قد تقدمه لك,وجزء كبير من الروحانية يكمن هنا "بالإضافة إلى نقطة عدم التعلق بالأشياء ^^",الموت جزء من حياتك,أنت فعلياً تبدأ في الموت منذ اللحظة الأولى التي تولد فيها,وفي كل لحظة تقترب أكثر منه,لا أعرف كيف يبدو عمل ملاك الموت مع كل هذا الهلع والصراخ والتقلب الذي يبديه الناس عند موتهم والذي يجعله يبدو مروعاً للغاية,ولكن يمكن أن تسدي للموت ولنفسك معروفاً بأن تتقبل الأشياء كما هي,إن كانت الحياة فيا حيا أهلاً وإن كان الموت فيا حيا أهلاً,ومن الغريب أنه حتى الحيوانات والجمادات تدرك ذلك,هل سبق أن رأيت شجرة تذمرت لأن شجرة آخرى أكبر منها؟ أو هل رأيت خروفاً حزيناً لأن ساقه مصابة؟,حتى الحيوان المريض يستمر بالحركة حتى يتوقف جسده عن العمل,ومن الغريب أن تعرف بأن معظم من يموتون في حوادث السقوط من أماكن مرتفعة إنما يموتون من الفزع قبل الإرتطام الفعلي بالأرض,ما الذي أصاب الإنسان حتى ينفصل عن الطبيعة إلى هذا الحد؟,إنه الإقتناع بوجود الإنفصال,بوهم الذات والكينونة,بأنني شيء والناس والكون وكل شيء خارج حدود جسدي وعقلي هو شيء آخر,ورغم أنه لا يمكن فعلياً فصل ذراتك عن النسيج الكوني أو فصلها عن الفراغ إلا أن العديد منا غارق في هذا الوهم إلى النخاع,الأمر أشبه بأمواج البحر,ورغم أن الأمواج تبدو كيانات منفصلة إلا أنها ليست كيانات وليست منفصلة,فالموجة ليست شيء منفصل عن البحر,هي فقط "بحر متموج" كما ان الأمواج وإن بدت منفصلة إلا أنها جميعاً متصلة إلى أعمق حد في جذروها,وحتى الموجة التي تفنى إنما تمرر الطاقة لموجة جديدة تولد لتوصل الطاقة بنفس الطريقة في دورات متتالية,أنتم أيضاً أمواج في بحر واحد,فكما أن الموجة لا يمكن تفرقها عن البحر فأنتم لا يمكن تفريقكم عن الكون,في الحقيقة أجسادكم هي أقرب جزء من الكون إليكم,كل فكرة أو تصور لا يعكس الإتصال الكوني في حياتكم هو عامل سلبي يبدد طاقتكم ويهدرها في التصادم مع المسار الكوني,تماماً كمن يسير عكس التيار,كل هذه الأشياء هي مفاهيم صغيرة ولكن لو أدركتموها جيداً ستكون قادرة عن تغير حياتكم وكل شيء تعرفونه إلى الأبد.
لا فائدة من الحديث عن هذا بالحروف والكلمات ,ولكن إن أمكن لها أن تجعل العالم مكان أفضل قليلاً فلا بأس بذلك,لذا في المرة القادمة لا تؤذ جارك لأنك تريد مكانة دينية أو إجتماعية معينة أو أن يتم ذكرك بالخيرلاحقاً,بل إفعل ذلك لأنك تدرك بأنك عندما تؤذيه فإنك لا تؤذي إلا نفسك!,تماماً كما تؤذي يدك إذا ضربت بها الحائط,لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الإتجاه ولو أن الجسمين لم يكونا متصلين معاً إلى أقصى حد لما أمكن الحصول على هذا التوازن المدهش.
لذا حاولوا أن تعيشوا سعداء قدر الإمكان وأن تدخلوا السعادة في قلوب الجميع,كما لا تنسوا أنا تنالوا ما يكفي من النوم والراحة .
الكاتب
محمد العمصي.
Comentarios